اللغة والادب يكمن سر تشيخون كاتب هذه الرواية في معرفته الصميمية لشقاء شعبه الروسي، وبدلاً من أن يضعفه هذا، كان يرثى له، ويبكي معه في شقائه ويبتهج معه في أفراحه، ولهذا، كان هو الكاتب المحبوب من بين جميع كتاب عصره. انه لم يتسم بمدرسة أدبية، ولم يتبع في إنتاجه نمطاً ما، إلا أنه بحد ذاته، كان مدرسة أدبية جديدة. قامت على نبذ المقاييس القديمة للمسرح وللقصة، فقد جرّد أدبه من التكلف والصنعة والتنميق والصقل، وتحاشى ما يسمونه العقدة والحبكة. وفتش عن الجذور التي تكمن خلف توافه الحياة العادية. وبتشريحه لتلك التوافة، أي عادات أبطاله وسلوكهم وطباعهم تمكن هذا الكاتب الفذ من أن يعري النفس البشرية من أكثر معقداتها النفسية والفكرية. وهكذا استطاع أن يقدم لنا نهجاً أدبياً جديداً يوظف التمويه للكشف عن الحقيقة. إن ملامح الأوضاع والشخصيات التي تخص الطبقات الاجتماعية الأكثر تنوعاً، والمشاهد المميزة للمجتمع الروسي المعاصر، سواء في الريف أو في المدينة أو في المصنع أو في الصور والسهوب... إن كل هذه، هي الأقصوصة التشيخوفية! ومع أنه لم يكن مناقبياً، فهو يثير قضايا أخلاقية، وأما الخلاصات فهو يتركها للقارئ الذكي وتشيخوف، كما ذكرنا، يقتصر على التلميح فقط. و"المبارزة" التي بين أيدينا، إن هي إلا المثال الحي. على هذا، وفيها يصور الكتاب أناساً على قسط وافر من الثقافة والذكاء، ولكنهم نقيض بعضهم البعض، فنراه يقحم القارئ مع أبطالها متشيعاً لهذا دون ذاك، فتارة يجد القارئ نفسه مع رجل الدين في دفاعه عن العرف الروحي أمام العالم الملحد الذي لا يقهر إلا سلطان العقل. وطوراً يجد القارئ نفسه مؤيداً لذلك الطبيب الذي يمثل الطيبة الإنسانية بأجلى مظاهرها، محاولاً أن يقهر بنزعته القطرية للخير، تخطيط وحنكة عالم الحيوان. وأخيراً يبرز للقارئ الإنسان القلق الذي يكاد يمثل عصره من انحطاط القيم واضطراب في النفس. فلمن ستكون الغلبة؟ ومن هو الذي سيفوز بعطف القارئ من بين كل هؤلاء؟