اللغة والادب نفتح الصفحة الأولى على محمد علي الجمّال «الشهبندر» وهو يعلن لنا عن موته، وسعادته في نفس الوقت وكأن هذا الكتاب الذي دخله قد منحه حياة جديدة: «لم أكن أشطرهم، بل كنت أكثرهم إقبالًا على الحياة، لهذا أشعر بالفرح الآن، وكأن الكتاب الذي دخلته (..) ماذا تسمونه؟ قد منحني حياة جديدة». ثم يرجع في ذاكرته ويبدأ في الفضفضة ناسيًا أنه مات، فيمعن النظر في حياته بعمق أكبر وينتبه إلى تفاصيل يغفل عنها الأحياء: «إنك لا تنتبه للتفاصيل التي مرّت بك إلا بعد أن يكتمل المشهد، أي بعد أن تموت، فقد كان لي دخل جيد، وأسرة أليفة وعشيقة رائعة، وكان لي زملاء عمل مرحون». كان والده -كما يتضح من اسمه- جمّالًا ينقل بضاعة التجار على الجمال، حظي بمعارف شتى وساعده ذلك على أن يدفع بابنه إلى التاجر عزات في الشام ليعلّمه فن التجارة. تعلم من هنا وغادر من هناك رافضًا أن يبقى تحت كنف التاجر الشامي، ورجع إلى عمان وفتح «مصلحته» لوحده، وبدأ يتعلم من كيسه كما يقول المثل، وصار يطور شيئًا فشيئًا، انفتح على الاستيراد من الخارج عبر القطار وهو يقول وداعًا للجمال، وداعًا يا سيارات الشحن المكلفة! ليصبح بعد مدة أول من يسنّ فكرة الفصل بين البضائع وتخصيص محال متعددة لها، فدكان للسمانة وآخر للقماش وثالث للأحذية وهكذا.