الفلسفة "ما هي الفلسفة" كتاب في هندسة المفهوم، هذا المعمار القائم دائماً على حوافي كل الأراضي الخوالي المجهولة، ولقد أراده صاحبه حقاً تاج المعمارة، حيثما يتوقف صعود المعمار، ويبدأ الكون. النص عامر بأسر متنوعة من المفاهيم الناقصة، شبه المنفتحة، المعروفة والمستحدثة. والنص يسترد ثروة الاصطلاح اللانهائي الذي تمرست به كتابة الفيلسوف في ثبات النصوص السابقة. والدولوزي خاصة، لا تعريف له وينفر من التصريف. والطريقة الوحيدة لفهمه هي متابعة مسيرته والتقائه اختلافياً بعد كل حال تأويلية ينخرط فيها.
يخرج دولوز المفاهيم الرئيسة من تاريخ الفلسفة، ويخرجها من شائعتها المتداولة، ويفكك سيرتها الخاصة، خارجياً دائماً عن منهجية التفكيك عينه، ومع دولوز يصير الفلاسفة (نيتشه، كانط، لايبنتز، برغسون، فوكر...) غير أشخاصهم التاريخيين. ولذلك ليس كتاب (ما هي الفلسفة؟) مدخلاً لقراءة ثقافة الفلسفة، بل مصيراً لقراءة لا تنفك عن تغيير عناوينها ومفرداتها. ولذا لا بد من معلم قراءة الفلسفة مجدداً بدءاً من هذا الكتاب، وانطلاقاً منه إلى سواه.
ليس هذا فحسب، بل إن النقود والجماليات والنظريات في العلم والرياضة، تقدم مقاطع فجائية تخرجها كذلك من المعهود من أجهزتها المعرفية والاصطلاحية. كما هو مثلاً في إعادة تأويله لنظرية المجاميع للدالات الرياضية، وكما في تفلسفه المفهومي حول المصطلح الفني من موسيقى ورسم، وخاصة بنائه لنظرية متكاملة في نقد السرد الروائي، وطريقة احتفاله بالشعري.