التاريخ والسياسة بالرغم من قلتها فإن المصادر المتوفرة للباحثين عن أوضاع جزيرة العرب قبل الإسلام تكشف عن مرحلة هامة من مراحل تطور العرب وعن حقبة مهمة من تاريخهم الذي شهد نشوءه وتطوره في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية. لقد توفرت للباحثين اعتباراً من النصف الثاني من القرن الثامن عشر الكثير من المكتشفات والكتابات والنقوش التي ألقت الضوء على تلك الحقبة ما جعلها مصادر تأريخية قيمة. لقد حرص مؤلف الكتاب "برهان الدين دلو" على تقسيم الكتاب إلى ثمانية أبواب تحدث في الباب الأول عن مصادر التأريخ الجاهلي التي حصرها بالنقوش والكتابات والمؤلفات الكلاسيكية اليونانية والرومانية والتوراة والتلمود والمصادر المسيحية والعربية الإسلامية والكتب الأدبية. أما الباب الثاني فهو مكرس للحديث عن الجغرافية الطبيعة لجزيرة العرب، بينما تحدث في الفصل الثالث عن البنية الاقتصادية المتمثلة في الزراعة، وتربية الماشية، والحرف والتجارة. أما الباب الرابع فهو عرض شامل للبنية الاجتماعية والتطورات الاجتماعية داخل القبيلة وانعكاساتها الخارجية والأسرة العربية الجاهلية وأشكال الزواج وظاهرة الوأد. وتناول الباب الخامس معالم ثقافة العرب في القرنين السابقين لظهور الإسلام إذ يرى المؤلف أن ثقافة العرب هي نتائج تاريخهم الذي تمتد جذوره إلى مئات السنين قبل الميلاد وتتألف هذه الثقافة من معارف عملية ومن اللغة والشعر والأمثال والأساطير والمعتقدات الدينية وغير ذلك. كما يعرض الباب السادس للفن الجاهلي إذ يحاول المؤلف أن يرسم صورة تقريبية عن الفن الجاهلي من خلال ما توفر من تماثيل وشواخص القبور والآثار الزخرفية والزجاجية والنقود والأحجار الكريمة. وأفرد الباب السابع للحديث عن عقائد العرب الدينية، وهي عقائد بدائية ساذجة كما أنها مزيج من عبادة الأسلاف والفيتشية والطوطمية والروحية. أما الباب الثامن فهو مخصص للحديث عن النظام السياسي والتوجهات نحو وحدة العرب، غذ يلحظ المؤلف أن الدولة في عدد من مناطق الجزيرة كانت بمثابة جهاز طبقي لحماية مصالح الأرستقراطية المدنية والدينية وللدفاع عن البلاد ضد الغزاة والطامعين وللقيام بالتوسع وتنفيذ بعض المشاريع العمومية الإنتاجية الكبرى وتنظيم الخدمية منها. إن حقبة الجاهلية مرحلة أساسية وهامة في تأريخ العرب وتطورهم الصاعد. فهي أساسية لأنها تشكل بداية حركة تاريخهم التي تكونت فيها الأصول التاريخية للأشكال التي عبّر بها سكان الجزيرة العربية عن تصوراتهم لظاهرات الكون والطبيعة وعن علاقاتهم الاجتماعية وأوضاع حياتهم. وهي هامة لأنها تُطلع المؤرخ أو الباحث في كتابه تأريخ العرب العام على إنجازات أهل الجاهلية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي مهدت لتطور العرب اللاحق. ومصادر تأريخ الجاهلية العربي، أصبحت منوعة: نقوش وكتابات، آثار باقية، التوراة والتلمود، الكتب اليونانية واللاتينية والسريانية المؤلفة قبل الإسلام، والموارد العربية التي دوت في الإسلام (القرآن الكريم وكتب الحديث والتفسير والمغازي والطبقات والشعر الجاهلي والمؤلفات التاريخية والجغرافية وبعض الكتب الأدبية وأمهات معاجم اللغة وغير ذلك)